فصل: باب عَلَامَةِ حُبِّ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرِبَتْ يَمِينُكِ وَعَقْرَى حَلْقَى

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قول النبي صلى الله عليه وسلم تربت يمينك، وعقرى، حلقي‏)‏ ذكر فيه حديثين لعائشة مقدما فيهما ما ترجم به‏:‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ إِنَّ أَفْلَحَ أَخَا أَبِي الْقُعَيْسِ اسْتَأْذَنَ عَلَيَّ بَعْدَ مَا نَزَلَ الْحِجَابُ فَقُلْتُ وَاللَّهِ لَا آذَنُ لَهُ حَتَّى أَسْتَأْذِنَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ أَخَا أَبِي الْقُعَيْسِ لَيْسَ هُوَ أَرْضَعَنِي وَلَكِنْ أَرْضَعَتْنِي امْرَأَةُ أَبِي الْقُعَيْسِ فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ هُوَ أَرْضَعَنِي وَلَكِنْ أَرْضَعَتْنِي امْرَأَتُهُ قَالَ ائْذَنِي لَهُ فَإِنَّهُ عَمُّكِ تَرِبَتْ يَمِينُكِ قَالَ عُرْوَةُ فَبِذَلِكَ كَانَتْ عَائِشَةُ تَقُولُ حَرِّمُوا مِنْ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ

الشرح‏:‏

حديثها في قصة أبي القعيس في الرضاعة، وقد تقدم شرحه في كتاب النكاح في ‏"‏ باب الأكفاء في الدين ‏"‏ في شرح حديث أبي هريرة ‏"‏ تنكح المرأة لأربع ‏"‏ الحديث‏.‏

قال ابن السكيت‏:‏ أصل تربت افتقرت، ولكنها كلمة تقال ولا يراد بها الدعاء وإنما أراد التحريض على الفعل المذكور، وأنه إن خالف أساء‏.‏

وقال النحاس معناه إن لم تفعل لم يحصل في يديك إلا التراب‏.‏

وقال ابن كيسان‏:‏ هو مثل جرى على أنه إن فاتك ما أمرتك به افتقرت إليه فكأنه قال افتقرت إن فاتك فاختصر‏.‏

وقال الداودي‏:‏ معناه افتقرت من العلم‏.‏

وقيل هي كلمة تستعمل في المدح عند المبالغة كما قالوا للشاعر قاتله الله لقد أجاد، وقيل غير ذلك مما تقدم بيانه في حديث أبي هريرة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا الْحَكَمُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ أَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَنْفِرَ فَرَأَى صَفِيَّةَ عَلَى بَابِ خِبَائِهَا كَئِيبَةً حَزِينَةً لِأَنَّهَا حَاضَتْ فَقَالَ عَقْرَى حَلْقَى لُغَةٌ لِقُرَيْشٍ إِنَّكِ لَحَابِسَتُنَا ثُمَّ قَالَ أَكُنْتِ أَفَضْتِ يَوْمَ النَّحْرِ يَعْنِي الطَّوَافَ قَالَتْ نَعَمْ قَالَ فَانْفِرِي إِذاً

الشرح‏:‏

حديثها في قصة صفية لما حاضت في الحج، وقد تقدم شرحه في كتاب الحج في ‏"‏ باب إذا حاضت المرأة بعدما أفاضت ‏"‏ وضبطه أبو عبيد في ‏"‏ غريب الحديث ‏"‏ بالقصر وبالتنوين، وذكر في ‏"‏ الأمثال ‏"‏ أنه في كلام العرب بالمد وفي كلام المحدثين بالقصر‏.‏

وقال أبو علي القالي‏:‏ هو بالمد وبالقصر معا، قالوا‏:‏ والمعنى عقرها الله وحلقها‏.‏

وفيه من القول نحو ما تقدم في تربت‏.‏

*3*باب مَا جَاءَ فِي زَعَمُوا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب ما جاء في زعموا‏)‏ كأنه يشير إلى حديث أبي قلابة قال ‏"‏ قيل لأبي مسعود‏:‏ ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في زعموا‏؟‏ قال‏:‏ بئس مطيه الرجل ‏"‏ أخرجه أحمد وأبو داود ورجاله ثقات، إلا أن فيه انقطاعا‏.‏

وكأن البخاري أشار إلى ضعف هذا الحديث بإخراجه حديث أم هانئ وفيه قولها ‏"‏ زعم ابن أمي ‏"‏ فإن أم هانئ أطلقت ذلك في حق علي ولم ينكر عليها النبي صلى الله عليه وسلم، والأصل في زعم أنها تقال في الأمر الذي لا يوقف على حقيقته‏.‏

وقال ابن بطال‏:‏ معنى حديث أبي مسعود أن من أكثر من الحديث بما لا يتحقق صحته لم يؤمن عليه الكذب‏.‏

وقال غيره‏:‏ كثر استعمال الزعم بمعنى القول، وقد وقع في حديث ضمام بن ثعلبة الماضي في كتاب العلم ‏"‏ زعم رسولك ‏"‏ وقد أكثر سيبويه في كتابه من قوله في أشياء يرتضيها ‏"‏ زعم الخليل‏"‏‏.‏

*3*باب مَا جَاءَ فِي قَوْلِ الرَّجُلِ وَيْلَكَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب ما جاء في قول الرجل ويلك‏)‏ تقدم شرح هذه الكلمة في كتاب الحج عند شرح أول أحاديث الباب، وقد قيل إن أصل ‏"‏ ويل ‏"‏ وي وهي كلمة تأوه فلما كثر قولهم وي لفلان وصلوها باللام وقدروها أنها منها فأعربوها‏.‏

وعن الأصمعي‏:‏ ويل للتقبيح على المخاطب فعله‏.‏

وقال الراغب‏:‏ ويل قبوح، وقد تستعمل بمعنى التحسر‏.‏

وويح ترحم‏.‏

وويس استصغار‏.‏

وأما ما ورد في جهنم فلم يرد أنه معناه في اللغة، وإنما أراد من قال الله ذلك فيه فقد استحق مقرا من النار‏.‏

وفي ‏"‏ كتاب من حدث ونسي ‏"‏ عن معتمر بن سليمان قال قال لي أبي‏:‏ أنت حدثتني عني عن الحسن قال ويح كلمة رحمة‏.‏

وأكثر أهل اللغة على أن ويل كلمة عذاب وويح كلمة رحمة‏.‏

وعن اليزيدي‏:‏ هما بمعنى واحد، تقول ويح لزيد وويل لزيد، ولك أن تنصبهما بإضمار فعل كأنك قلت ألزمه الله ويلا أو ويحا‏.‏

قلت‏:‏ وتصرف البخاري يقتضي أنه على مذهب اليزيدي في ذلك، فإنه ذكر في بعض الأحاديث في الباب ما ورد بلفظ ويل فقط وما ورد بلفظ ويح فقط وما وقع التردد فيهما، ولعله رمز إلى تضعيف الحديث الوارد عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها في قصة ‏"‏ لا تجزعي من الويح فإنه كلمة رحمة، ولكن اجزعي من الويل ‏"‏ أخرجه الخرائطي في ‏"‏ مساوئ الأخلاق ‏"‏ بسند واه وهو آخر حديث فيه‏.‏

وقال الداودي ويل وويح وويس كلمات تقولها العرب عند الذم، قال‏:‏ وويح مأخوذ من الحزن وويس من الأسى وهو الحزن‏.‏

وتعقبه ابن التين بأن أهل اللغة إنما قالوا ويل كلمة تقال عند الحزن، وأما قول ابن عرفة‏:‏ الويل الحزن فكأنه أخذه من أن الدعاء بالويل إنما يكون عند الحزن‏.‏

والأحاديث التي ساقها المؤلف رحمه الله هنا فيها ما اختلف الرواة في لفظه هل هي ويل أو ويح، وفيها ما تردد الراوي فقال ويل أو ويح، وفيها ما جزم فيه بأحدهما، ومجموعها يدل على أن كلا منهما كلمة توجع يعرف هل المراد الذم أو غيره من السياق، فإن في بعضها الجزم بويل وليس حمله على العذاب بظاهر‏.‏

والحاصل أن الأصل في كل منهما ما ذكر، وقد تستعمل إحداهما موضع الأخرى‏.‏

وقوله ويس مأخوذ من الأسى متعقب لاختلاف تصريف الكلمتين‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلاً يَسُوقُ بَدَنَةً فَقَالَ ارْكَبْهَا قَالَ إِنَّهَا بَدَنَةٌ قَالَ ارْكَبْهَا قَالَ إِنَّهَا بَدَنَةٌ قَالَ ارْكَبْهَا وَيْلَكَ

الشرح‏:‏

حديث انس في قوله صلى الله عليه وسلم لسائق البدنة ‏"‏ اركبها ويلك ‏"‏ وما وقع فيه من اختلاف ألفاظه في قوله ثلاثا أو في الثالثة أو الرابعة وهل قال له ويلك أو ويحك تقدم شرحه في كتاب الحج‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلاً يَسُوقُ بَدَنَةً فَقَالَ لَهُ ارْكَبْهَا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهَا بَدَنَةٌ قَالَ ارْكَبْهَا وَيْلَكَ فِي الثَّانِيَةِ أَوْ فِي الثَّالِثَةِ

الشرح‏:‏

حديث أبي هريرة وفيه ‏"‏ في الثانية أو في الثالثة ‏"‏ وقد تقدم شرحه في ‏"‏ باب ركوب البدن ‏"‏ من كتاب الحج‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَأَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ وَكَانَ مَعَهُ غُلَامٌ لَهُ أَسْوَدُ يُقَالُ لَهُ أَنْجَشَةُ يَحْدُو فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيْحَكَ يَا أَنْجَشَةُ رُوَيْدَكَ بِالْقَوَارِيرِ

الشرح‏:‏

حديث أنس في قصة أنجشة، وقد تقدم شرحه قريبا قبل أربعة أبواب‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ خَالِدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ أَثْنَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ وَيْلَكَ قَطَعْتَ عُنُقَ أَخِيكَ ثَلَاثاً مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَادِحاً لَا مَحَالَةَ فَلْيَقُلْ أَحْسِبُ فُلَاناً وَاللَّهُ حَسِيبُهُ وَلَا أُزَكِّي عَلَى اللَّهِ أَحَداً إِنْ كَانَ يَعْلَمُ

الشرح‏:‏

حديث أبي بكرة ‏"‏ أثنى رجل ‏"‏ وفيه ‏"‏ ويلك قطعت عنق أخيك ‏"‏ وقد تقدم شرحه في ‏"‏ باب ما يكره من التمادح‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَالضَّحَّاكِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ بَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْسِمُ ذَاتَ يَوْمٍ قِسْماً فَقَالَ ذُو الْخُوَيْصِرَةِ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ اعْدِلْ قَالَ وَيْلَكَ مَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ فَقَالَ عُمَرُ ائْذَنْ لِي فَلْأَضْرِبْ عُنُقَهُ قَالَ لَا إِنَّ لَهُ أَصْحَاباً يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتِهِمْ وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ كَمُرُوقِ السَّهْمِ مِنْ الرَّمِيَّةِ يُنْظَرُ إِلَى نَصْلِهِ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى رِصَافِهِ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى نَضِيِّهِ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى قُذَذِهِ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ قَدْ سَبَقَ الْفَرْثَ وَالدَّمَ يَخْرُجُونَ عَلَى حِينِ فُرْقَةٍ مِنْ النَّاسِ آيَتُهُمْ رَجُلٌ إِحْدَى يَدَيْهِ مِثْلُ ثَدْيِ الْمَرْأَةِ أَوْ مِثْلُ الْبَضْعَةِ تَدَرْدَرُ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ أَشْهَدُ لَسَمِعْتُهُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَشْهَدُ أَنِّي كُنْتُ مَعَ عَلِيٍّ حِينَ قَاتَلَهُمْ فَالْتُمِسَ فِي الْقَتْلَى فَأُتِيَ بِهِ عَلَى النَّعْتِ الَّذِي نَعَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

حديث أبي سعيد في قصة ذي الخويصرة وقوله‏:‏ ‏"‏ يا رسول الله اعدل، قال‏:‏ ويلك من يعدل إذا لم أعدل ‏"‏ وقد تقدم بعض شرحه في علامات النبوة وفي أواخر المغازي، ويأتي تمامه في استتابة المرتدين‏.‏

وقوله هنا‏:‏ ‏"‏ على حين فرقة ‏"‏ بالحاء المهملة المكسورة والنون، ووقع في رواية الكشميهني ‏"‏ خير فرقة ‏"‏ بخاء معجمة وراء والضحاك المذكور في السند هو ابن شرحبيل المشرفي بكسر الميم وسكون المعجمة وفتح الراء منسوب إلى بطن من همدان‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَبُو الْحَسَنِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا الْأَوْزَاعِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلاً أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكْتُ قَالَ وَيْحَكَ قَالَ وَقَعْتُ عَلَى أَهْلِي فِي رَمَضَانَ قَالَ أَعْتِقْ رَقَبَةً قَالَ مَا أَجِدُهَا قَالَ فَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ قَالَ لَا أَسْتَطِيعُ قَالَ فَأَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِيناً قَالَ مَا أَجِدُ فَأُتِيَ بِعَرَقٍ فَقَالَ خُذْهُ فَتَصَدَّقْ بِهِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعَلَى غَيْرِ أَهْلِي فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا بَيْنَ طُنُبَيْ الْمَدِينَةِ أَحْوَجُ مِنِّي فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ قَالَ خُذْهُ تَابَعَهُ يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَيْلَكَ

الشرح‏:‏

حديث أبي هريرة في الذي وقع على امرأته في رمضان، وقد تقدم شرحه في كتاب الصيام، وأورده هنا لقوله في بعض طرقه ‏"‏ فقال ويلك ‏"‏ كما سأبينه‏.‏

وقوله عبد الله هو ابن المبارك‏.‏

وقوله أخبرنا الأوزاعي قال‏:‏ حدثني الزهري فيه رد على من أعل هذه الطريق بأن الأوزاعي لم يسمعه من الزهري لرواية عقبة بن علقمة له عن الأوزاعي قال‏:‏ ‏"‏ بلغني عن الزهري ‏"‏ هكذا رويناه في الجزء الثاني من حديث أبي العباس الأصم، وعقبة لا بأس به فيحتمل أن يكون الأوزاعي لقي الزهري فحدثه به بعد أن كان بلغه منه فحدث به على الوجهين، وقوله‏:‏ ‏"‏ ما بين طنبي المدينة ‏"‏ بضم الطاء والمهملة وسكون النون بعدها موحدة تثنية طنب أي ناحيتي المدينة، قال ابن التين‏:‏ ضبط في رواية الشيخ أبي الحسن بفتحتين وفي رواية أبي ذر بضمتين، والأصل ضم النون وتسكن تخفيفا، وأصل الطنب الحبل للخيمة فاستعير للطرف من الناحية‏.‏

وقوله‏:‏ ‏"‏ أحوج مني ‏"‏ وقع في رواية الكشميهني ‏"‏ أفقر ‏"‏ وقوله في آخره ‏"‏ وقال خذه ‏"‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ ثم قال أطعمه أهلك‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تابعه يونس‏)‏ يعني ابن يزيد ‏(‏عن الزهري‏)‏ يعني بسنده في قوله‏:‏ ‏"‏ فقال ويحك، قال وقعت على أهلي ‏"‏ وهذه المتابعة وصلها البيهقي من طريق عنبسة بن خالد عن يونس بن يزيد عن الزهري بتمامه‏.‏

وقال في روايته ‏"‏ فقال ويحك وما ذاك ‏"‏‏؟‏ ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال عبد الرحمن بن خالد عن الزهري ويلك‏)‏ يعني بدل قوله ويحك، وهذا التعليق وصله الطحاوي من طريق الليث حدثني عبد الرحمن بن خالد عن ابن شهاب الزهري المذكور فيه ‏"‏ فقال مالك ويلك‏؟‏ قال‏:‏ وقعت على أهلي‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو الْأَوْزَاعِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ أَعْرَابِيّاً قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي عَنْ الْهِجْرَةِ فَقَالَ وَيْحَكَ إِنَّ شَأْنَ الْهِجْرَةِ شَدِيدٌ فَهَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَهَلْ تُؤَدِّي صَدَقَتَهَا قَالَ نَعَمْ قَالَ فَاعْمَلْ مِنْ وَرَاءِ الْبِحَارِ فَإِنَّ اللَّهَ لَنْ يَتِرَكَ مِنْ عَمَلِكَ شَيْئاً

الشرح‏:‏

حديث أبي سعيد في رواية الوليد هو ابن مسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرني عن الهجرة، قال‏:‏ ويحك إن الهجرة شأنها شديد‏)‏ الحديث وقد تقدم في ‏"‏ باب الهجرة إلى المدينة ‏"‏ وأن الهجرة كانت واجبة على أهل مكة على الأعيان قبل فتح مكة فكان النبي صلى الله عليه وسلم يحذرهم من شدة الهجرة ومفارقة الأهل والوطن، وقد تقدم شرح حديثه صلى الله عليه وسلم ‏"‏ لا هجرة بعد الفتح ‏"‏ وقوله ‏"‏ من وراء البحار ‏"‏ بموحدة ثم مهملة للأكثر أي من وراء القرى، والقرية يقال لها البحرة لاتساعها، ووقع في رواية الكشميهني بمثناة ثم جيم وهو تصحيف، وقوله ‏"‏لن يترك ‏"‏ بفتح أوله وسكون ثانيه من الترك والكاف أصلية، وبفتح أوله وكسر ثانيه ونصب الراء وفتح الكاف أي لن ينقصك‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ وَاقِدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ سَمِعْتُ أَبِي عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَيْلَكُمْ أَوْ وَيْحَكُمْ قَالَ شُعْبَةُ شَكَّ هُوَ لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّاراً يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ وَقَالَ النَّضْرُ عَنْ شُعْبَةَ وَيْحَكُمْ وَقَالَ عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ وَيْلَكُمْ أَوْ وَيْحَكُمْ

الشرح‏:‏

حديث ابن عمر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال ويلكم أو ويحكم قال شعبة شك هو‏)‏ يعني شيخه واقد بن محمد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال النضر‏)‏ هو ابن شميل ‏(‏عن شعبة‏)‏ يعني بهذا السند ‏(‏ويحكم‏)‏ يعني لم يشك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال عمر بن محمد‏)‏ هو أخو واقد المذكور‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أبيه‏)‏ هو محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر عن جده ابن عمر ‏(‏ويلكم أو ويحكم‏)‏ يعني مثل ما قال أخوه واقد، فدل على أن الشك فيه من محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر أو ممن فوقه، وقد تقدمت طريق عمر هذه موصولة في أواخر المغازي من طريق ابن وهب عنه، وتقدم حديث عمر هذا من وجه آخر عن ابن عمر مطولا في ‏"‏ باب قوله‏:‏ يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم ‏"‏ ويأتي شرحه في كتاب الفتن إن شاء الله تعالى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَتَى السَّاعَةُ قَائِمَةٌ قَالَ وَيْلَكَ وَمَا أَعْدَدْتَ لَهَا قَالَ مَا أَعْدَدْتُ لَهَا إِلَّا أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ قَالَ إِنَّكَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ فَقُلْنَا وَنَحْنُ كَذَلِكَ قَالَ نَعَمْ فَفَرِحْنَا يَوْمَئِذٍ فَرَحاً شَدِيداً فَمَرَّ غُلَامٌ لِلْمُغِيرَةِ وَكَانَ مِنْ أَقْرَانِي فَقَالَ إِنْ أُخِّرَ هَذَا فَلَنْ يُدْرِكَهُ الْهَرَمُ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ وَاخْتَصَرَهُ شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ سَمِعْتُ أَنَساً عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏همام عن قتادة عن أنس‏)‏ صرح شعبة في روايته عن قتادة بسماعه له من أنس، ويأتي بيانه عقب هذا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن رجلا من أهل البادية‏)‏ في رواية الزهري عن أنس عند مسلم ‏"‏ أن رجلا من الأعراب ‏"‏ وفي رواية إسحاق بن أبي طلحة عن أنس عنده نحوه؛ وفي رواية سالم بن أبي الجعد الآتية في كتاب الأحكام عن أنس ‏"‏ بينما أنا والنبي صلى الله عليه وسلم خارجين من المسجد فلقينا رجل عنده سدة المسجد ‏"‏ وقد بينت في مناقب عمر أنه ذو الخويصرة اليماني الذي بال في المسجد، وأن حديثه بذلك مخرج عند الدار قطني، وأن من زعم أنه أبو موسى أو أبو ذر فقد وهم فإنهما وإن اشتركا في معنى الجواب وهو أن المرء مع من أحب، فقد اختلف سؤالهما فإن كلا من أبي موسى وأبي ذر إنما سأل عن الرجل يحب القوم ولم يلحق بهم، وهذا سأل متى الساعة‏؟‏ ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏متى الساعة قائمة‏)‏ يجوز فيه الرفع والنصب‏.‏

وفي رواية حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس عند مسلم ‏"‏ متى تقوم الساعة ‏"‏‏؟‏ وكذا في أكثر الروايات‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويلك وما أعددت لها‏؟‏ قال‏:‏ ما أعددت لها‏)‏ زاد معمر عن الزهري عن أنس عند مسلم ‏"‏ من كثير عمل أحمد عليه نفسي ‏"‏ وفي رواية سفيان عن الزهري عند مسلم ‏"‏ فلم يذكر كثيرا ‏"‏ وفي رواية سالم بن أبي الجعد المذكورة ‏"‏ فكأن الرجل استكان ثم قال‏:‏ ما أعددت من كبير صلاة ولا صوم ولا صدقة‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إلا أني أحب الله ورسوله‏)‏ قال الكرماني‏:‏ هذا الاستثناء يحتمل أن يكون متصلا وأن يكون منقطعا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إنك مع من أحببت‏)‏ أي ملحق بهم حتى تكون من زمرتهم، وبهذا يندفع إيراد أن منازلهم متفاوتة فكيف تصح المعية‏!‏ فيقال إن المعية تحصل بمجرد الاجتماع في شيء ما ولا تلزم في جميع الأشياء، فإذا اتفق أن الجميع دخلوا الجنة صدقت المعية، وإن تفاوتت الدرجات‏.‏

ويأتي بقية شرحه في الباب الذي بعده‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقلنا‏:‏ ونحن كذلك‏؟‏ قال نعم‏)‏ هذا يؤيد ما بينت به المعية لأن درجات الصحابة متفاوتة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ففرحنا يومئذ فرحا شديدا‏)‏ في رواية أخرى عن أنس ‏"‏ فلم أر المسلمين فرحوا فرحا أشد منه‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فمر غلام للمغيرة‏)‏ في رواية مسلم ‏"‏ للمغيرة بن شعبة ‏"‏ أخرجه من رواية عفان عن همام قال ‏"‏ مر غلام ‏"‏ ولم يذكر ما قبله من هذه الطريق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكان من أقراني‏)‏ أي مثلي في السن، قال ابن التين‏:‏ القرن المثل في السن وهو بفتح القاف وبكسرها المثل في الشجاعة قال‏:‏ وفعل بفتح أوله وسكون ثانيه إذا كان صحيحا لا يجمع على أفعال، إلا ألفاظ لم يعدوا هذا فيها‏.‏

ووقع في رواية معبد بن هلال عند مسلم عن أنس ‏"‏ وذلك الغلام من أترابي يومئذ ‏"‏ والأتراب جمع ترب بكسر المثناة وسكون الراء بعدها موحدة وهم المماثلون، شبهوا بالترائب التي هي ضلوع للصدر‏.‏

ووقع في رواية الحسن عن أنس في آخره ‏"‏ وأنا يومئذ بعد غلام ‏"‏ قال ابن بشكوال اسم هذا الغلام محمد، واحتج بما أخرجه مسلم من رواية حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس ‏"‏ أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ متى تقوم الساعة‏؟‏ وغلام من الأنصار يقال له محمد‏"‏‏.‏

قال‏:‏ وقيل اسمه سعد‏.‏

ثم أخرج من طريق الحسن عن أنس ‏"‏ أن رجلا سأل عن الساعة - فذكر حديثا - قال فنظر إلى غلام من دوس يقال له سعد ‏"‏ وهذا أخرجه البارودي في ‏"‏ الصحابة ‏"‏ وسنده حسن، وأخرجه أيضا من طريق أبي قلابة عن أنس نحوه، وأخرجه ابن منده من طريق قيس بن وهب عن أنس وقال فيه ‏"‏ مر سعد الدوسي ‏"‏ قال ورواه قرة بن خالد عن الحسن فقال فيه‏:‏ ‏"‏ فقال لشاب من دوس يقال له ابن سعد‏"‏‏.‏

قلت‏:‏ وقد وقع عند مسلم في رواية معبد بن هلال عن أنس ‏"‏ ثم نظر إلى غلام من أزد شنوءة ‏"‏ فيحتمل التعدد، أو كان اسم الغلام سعدا ويدعى محمدا أو بالعكس، ودوس من أزد شنوءة فيحتمل أن يكون حالف الأنصار‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال إن أخر هذا فلم يدركه الهرم حتى تقوم الساعة‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ فلن ‏"‏ وكذا لمسلم وهي أولى‏.‏

وفي رواية حماد بن سلمة ‏"‏ إن يعش هذا الغلام فعسى أن لا يدركه الهرم ‏"‏ وفي رواية معبد بن هلال ‏"‏ لئن عمر هذا لم يدركه الهرم ‏"‏ كذا في الطرق كلها بإسناد الإدراك للهرم، ولو أسند للغلام لكان سائغا، ولكن أشير بالأول إلى أن الأجل كالقاصد للشخص‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى تقوم الساعة‏)‏ وقع في رواية البارودي التي أشرت إليها بدل قوله حتى تقوم الساعة ‏"‏ لا يبقى منكم عين تطرف ‏"‏ وبهذا يتضح المراد‏.‏

وله في أخرى ‏"‏ ما من نفس منفوسة يأتي عليها مائة سنة ‏"‏ وهذا نظير قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي تقدم بيانه في العلم أنه قال لأصحابه في آخر عمره ‏"‏ أرأيتكم ليلتكم هذه، فإن على رأس مائة سنة منها لا يبقى على وجه الأرض ممن هو اليوم عليها أحد ‏"‏ وكان جماعة من أهل ذلك العصر يظنون أن المراد أن الدنيا تنقضي بعد مائة سنة، فلذلك قال الصحابي ‏"‏ فوهل الناس فيما يتحدثون من مائة سنة ‏"‏ وإنما أراد صلى الله عليه وسلم بذلك انخرام قرنه، أشار إلى ذلك عياض مختصرا‏.‏

قلت‏:‏ ووقع في الخارج كذلك ‏"‏ فلم يبق ممن كان موجودا عند مقالته تلك عند استكمال مائة سنة من سنة موته أحد ‏"‏ وكان آخر من رأى النبي صلى الله عليه وسلم موتا أبو الطفيل عامر بن واثلة كما ثبت في صحيح مسلم‏.‏

وقال الإسماعيلي بعد أن قرر أن المراد بالساعة ساعة الذين كانوا حاضرين عند النبي صلى الله عليه وسلم وأن المراد موتهم وأنه أطلق على يوم موتهم اسم الساعة لإفضائه بهم إلى أمور الآخرة، ويؤيد ذلك أن الله استأثر بعلم قيام الساعة العظمى كما دلت عليه الآيات والأحاديث الكثيرة، قال‏:‏ ويحتمل أن يكون المراد بقوله ‏"‏ حتى تقوم الساعة ‏"‏ المبالغة في تقريب قيام الساعة لا التحديد، كما قال في الحديث الآخر ‏"‏ بعثت أنا والساعة كهاتين ‏"‏ ولم يرد أنها تقوم عند بلوغ المذكور الهرم‏.‏

قال‏.‏

وهذا عمل شائع للعرب يستعمل للمبالغة عند تفخيم الأمر وعند تحقيره وعند تقريب الشيء وعند تبعيده، فيكون حاصل المعنى أن الساعة تقوم قريبا جدا، وبهذا الاحتمال الثاني جزم بعض شراح ‏"‏ المصابيح ‏"‏ واستبعده بعض شراح ‏"‏ المشارق ‏"‏ وقال الداودي‏:‏ المحفوظ أنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك للذين خاطبهم بقوله تأتيكم ساعتكم، يعني بذلك موتهم، لأنهم كانوا أعرابا فخشي أن يقول لهم لا أدري متى الساعة فيرتابوا فكلمهم بالمعاريض، وكأنه أشار إلى حديث عائشة الذي أخرجه مسلم ‏"‏ كان الأعراب إذا قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم سألوه عن الساعة متى الساعة‏؟‏ فينظر إلى أحدث إنسان منهم سنا فيقول إن يعش هذا حتى يدركه الهرم قامت عليكم ساعتكم ‏"‏ قال عياض وتبعه القرطبي‏:‏ هذه رواية واضحة تفسر كل ما ورد من الألفاظ المشكلة في غيرها، وأما قول النووي‏:‏ يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم أراد أن الغلام المذكور لا يؤخر ولا يعمر ولا يهرم، أي فيكون الشرط لم يقع فكذلك لم يقع الجزاء، فهو تأويل بعيد، ويلزم منه استمرار الإشكال لأنه إن حمل الساعة على انقراض الدنيا وحلول أمر الآخرة كان مقتضى الخبر أن القدر الذي كان بين زمانه صلى الله عليه وسلم وبين ذلك بمقدار ما لو عمر ذلك الغلام إلى أن يبلغ الهرم، والمشاهد خلاف ذلك، وأن حمل الساعة على زمن مخصوص رجع إلى التأويل المتقدم، وله أن ينفصل عن ذلك بأن سن الهرم لا حد لقدره‏.‏

وقال الكرماني‏:‏ يحتمل أن يكون الجزاء محذوفا، كذا قال‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏واختصره شعبة عن قتادة سمعت أنسا‏)‏ وصله مسلم من رواية محمد بن جعفر عن شعبة، ولم يسق لفظه بل أحال به على رواية سالم بن أبي الجعد عن أنس، وساقها أحمد في مسنده عن محمد بن جعفر ولفظه ‏"‏ جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ متى الساعة‏؟‏ قال‏:‏ ما أعددت لها‏؟‏ قال‏:‏ حب الله ورسوله‏.‏

قال‏:‏ أنت مع من أحببت ‏"‏ وهو موافق لرواية همام، فكأن مراد البخاري بالاختصار ما زاده همام في آخر الحديث من قوله ‏"‏ فقلنا‏:‏ ونحن كذلك‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏

ففرحنا يومئذ فرحا شديدا فمر غلام الخ‏"‏‏.‏

*3*باب عَلَامَةِ حُبِّ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ

لِقَوْلِهِ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب علامة الحب في الله لقوله تعالى‏:‏ إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله‏)‏ ذكر فيه حديث ‏"‏ المرء مع من أحب ‏"‏ قال الكرماني‏:‏ يحتمل أن يكون المراد بالترجمة محبة الله للعبد، أو محبة العبد لله، أو المحبة بين العباد في ذات الله بحيث لا يشوبها شيء من الرياء، والآية مساعدة للأولين، واتباع الرسول علامة للأولى لأنها مسببة للاتباع، وللثانية لأنها سببه انتهى‏.‏

ولم يتعرض لمطابقة الحديث للترجمة‏.‏

وقد توقف فيه غير واحد‏.‏

والمشكل منه جعل ذلك علامة الحب في الله، وكأنه محمول على الاحتمال الثاني الذي أبداه الكرماني، وأن المراد علامة حب العبد لله، فدلت الآية أنها لا تحصل إلا باتباع الرسول، ودل الخبر على أن اتباع الرسول وإن كان الأصل أنه لا يحصل إلا بامتثال جميع ما أمر به أنه قد يحصل من طريق التفضل باعتقاد ذلك وإن لم يحصل استيفاء العمل بمقتضاه، بل محبة من يعمل ذلك كافية في حصول أصل النجاة، والكون مع العاملين بذلك لأن محبتهم إنما هي لأجل طاعتهم‏.‏

والمحبة من أعمال القلوب فأثاب الله محبهم على معتقده، إذ النية هي الأصل والعمل تابع لها، وليس من لازم المعية الاستواء في الدرجات‏.‏

وقد اختلف في سبب نزول الآية‏:‏ فأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن البصري قال‏:‏ كان قوم يزعمون أنهم يحبون الله، فأراد الله أن يجعل لقولهم تصديقا من عمل فأنزل الله هذه الآية‏.‏

وذكر الكلبي في تفسيره عن ابن عباس أنها نزلت حين قال اليهود ‏(‏نحن أبناء الله وأحباؤه‏)‏ وفي تفسير محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير‏:‏ نزلت في نصارى نجران، قالوا‏:‏ إنما نعبد المسيح حبا لله وتعظيما له‏.‏

وفي تفسير الضحاك عن ابن عباس أنها نزلت في قريش، قالوا‏:‏ إنما نعبد الأصنام حبا لله لتقربنا إليه زلفى فنزلت‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏شعبة عن سليمان‏)‏ هو الأعمش‏.‏

وفي رواية أبي داود الطيالسي ‏"‏ عن شعبة عن الأعمش‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي وائل‏)‏ في رواية الطيالسي ‏"‏ عن شعبة عن الأعمش سمع أبا وائل ‏"‏ وكذا في رواية عمرو بن مرزوق ‏"‏ عن شعبة عن الأعمش سمعت أبا وائل‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏عن عبد الله‏)‏ هكذا رواه أصحاب شعبة فقالوا ‏"‏ عن عبد الله ‏"‏ ولم ينسبوه منهم ابن أبي عدي عند مسلم وأبو داود الطيالسي عند أبي عوانة وعمرو بن مرزوق عند أبي نعيم وأبو عامر العقدي ووهب بن جرير عند الإسماعيلي، وحكى الإسماعيلي عن بندار أنه عبد الله بن قيس أبو موسى الأشعري، واستدل برواية سفيان الثوري عن الأعمش الآتية عقب هذا، وسيأتي ما يؤيده، ولكن صنيع البخاري يقتضي أنه كان عند أبي وائل عن ابن مسعود وعن أبي موسى جميعا وأن الطريقين صحيحان لأنه بين الاختلاف في ذلك ولم يرجح، ولذا ذكر أبو عوانة في صحيحه عن عثمان بن أبي شيبة أن الطريقين صحيحان‏.‏

قلت‏:‏ ويؤيد ذلك أن له عند ابن مسعود أصلا، فقد أخرج أبو نعيم في ‏"‏ كتاب المحبين ‏"‏ من طريق عطية عن أبي سعيد قال ‏"‏ أتيت أنا وأخي عبد الله بن مسعود فقال‏:‏ سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ فذكر الحديث‏.‏

وأخرجه أيضا من طريق مسروق عن عبد الله به‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَقُولُ فِي رَجُلٍ أَحَبَّ قَوْماً وَلَمْ يَلْحَقْ بِهِمْ

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ تَابَعَهُ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ وَسُلَيْمَانُ بْنُ قَرْمٍ وَأَبُو عَوَانَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏جرير عن الأعمش عن أبي وائل قال قال عبد الله بن مسعود - ثم قال في آخره - تابعه جرير بن حازم‏)‏ فيه إشارة إلى أن جريرا الأول هو ابن عبد الحميد، وأما متابعة جرير بن حازم فوصلها أبو نعيم في ‏"‏ كتاب المحبين ‏"‏ من طريق أبي الأزهر أحمد بن الأزهر عن وهب بن جرير حدثنا أبي سمعت الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله، فذكره ولم ينسب عبد الله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏جاء رجل‏)‏ في حديث أبي موسى ‏"‏ قيل للنبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ ووقع في رواية أبي معاوية ومحمد بن عبيد ‏"‏ أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل ‏"‏ وأولى ما فسر به هذا المبهم أنه أبو موسى راوي الحديث، فعند أبي عوانة من رواية محمد بن كناسة عن الأعمش في هذا الحديث عن شقيق ‏"‏ عن أبي موسى قلت يا رسول الله ‏"‏ فذكر الحديث، ولكن يعكر عليه ما وقع في رواية وهب بن جرير التي تقدم ذكرها من عند أبي نعيم فإن لفظه ‏"‏ عن عبد الله قال جاء أعرابي فقال‏:‏ يا رسول الله إني أحب قوما ولا ألحق بهم ‏"‏ الحديث وأبو موسى إن جاز أن يبهم نفسه فيقول أتى رجل فغير جائز أن يصف نفسه بأنه أعرابي، وقد وقع في حديث صفوان بن عسال الذي أخرجه الترمذي والنسائي وصححه ابن خزيمة من طريق عاصم بن بهدلة عن زر بن حبيش قال ‏"‏ قلت لصفوان بن عسال‏:‏ هل سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهوى شيئا‏؟‏ قال‏:‏ نعم، كنا مع رسول الله في مسير، فناداه أعرابي بصوت له جهوري فقال‏:‏ أيا محمد، فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم على قدر ذلك فقال‏:‏ هاؤم‏.‏

قال‏:‏ أرأيت المرء يحب القوم ‏"‏ الحديث وأخرج أبو نعيم في ‏"‏ كتاب المحبين ‏"‏ من طريق مسروق عن عبد الله وهو ابن مسعود قال ‏"‏ أتى أعرابي فقال‏:‏ يا رسول الله والذي بعثك بالحق إني لأحبك ‏"‏ فذكر الحديث فهذا الأعرابي يحتمل أن يكون هو صفوان بن قدامة، فقد أخرج الطبراني وصححه أبو عوانة من حديثه قال‏:‏ ‏"‏ قلت يا رسول الله إني أحبك، قال‏:‏ المرء مع من أحب ‏"‏ وقد وقع هذا السؤال لغير من ذكر، فعند أبي عوانة أيضا وأحمد وأبي داود وابن حبان من طريق عبد الله بن الصامت ‏"‏ عن أبي ذر قال‏:‏ قلت يا رسول الله الرجل يحب القوم ‏"‏ الحديث ورجاله ثقات، فإن كان مضبوطا أمكن أن يفسر به المبهم في حديث أبي موسى، لكن المحفوظ بهذا الإسناد عن أبي ذر ‏"‏ الرجل يعمل العمل من الخير ويحمد الناس عليه ‏"‏ كذا أخرجه مسلم وغيره، فلعل بعض رواته دخل عليه حديث في حديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كيف تقول في رجل أحب قوما ولم يلحق بهم‏)‏ في رواية سفيان الآتية ‏"‏ ولما يلحق بهم ‏"‏ وهي أبلغ فإن النفي بلما أبلغ من النفي بلم، فيؤخذ منه أن الحكم ثابت ولو بعد اللحاق‏.‏

ووقع في حديث أنس عند مسلم ‏"‏ ولم يلحق بعملهم ‏"‏ وفي حديث أبي ذر المشار إليه قبل ‏"‏ ولا يستطيع أن يعمل بعملهم ‏"‏ وفي بعض طرق حديث صفوان بن عسال عند أبي نعيم ‏"‏ ولم يعمل بمثل عملهم ‏"‏ وهو يفسر المراد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وسليمان بن قرم‏)‏ هو بفتح القاف وسكون الراء ومتابعته هذه وصلها مسلم من طريق أبي الجواب عمار بن رزيق بتقديم الراء عنه عن عبد الله وعطفها على رواية شعبة فقال مثله، وساق أبو عوانة في صحيحه لفظها ولم ينسب عبد الله أيضا، وساقها الخطيب في كتاب ‏"‏ المكمل ‏"‏ مطولة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأبو عوانة عن الأعمش‏)‏ يعني أن الثلاثة رووه عن الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله، وأبو عوانة هذا هو الوضاح، وأما أبو عوانة صاحب الصحيح فاسمه يعقوب ومتابعة أبي عوانة وصلها أبو عوانة يعقوب والخطيب في كتاب ‏"‏ المكمل ‏"‏ من طريق يحيى بن حماد عنه وقال فيه أيضا ‏"‏ عن عبد الله ‏"‏ ولم ينسبه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ قِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلُ يُحِبُّ الْقَوْمَ وَلَمَّا يَلْحَقْ بِهِمْ قَالَ الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ تَابَعَهُ أَبُو مُعَاوِيَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان‏)‏ هو الثوري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي موسى‏)‏ هكذا صرح به أبو نعيم، وأخرجه أبو عوانة من رواية قبيصة عن سفيان الثوري فقال ‏"‏ عن عبد الله ‏"‏ ولم ينسبه، وهذا يؤيد قول بندار أن عبد الله حيث لم ينسب فالمراد به في هذا الحديث أبو موسى، وأن من نسبه ظن أنه ابن مسعود لكثرة مجيء ذلك على هذه الصورة في رواية أبي وائل، ولكنه هنا خرج عن القاعدة، وتبين برواية من صرح أنه أبو موسى الأشعري أن المراد بعبد الله ابن قيس وهو أبو موسى الأشعري، ولم أر من صرح في روايته عن ابن الأعمش أنه عبد الله بن مسعود إلا ما وقع في رواية جرير بن عبد الحميد هذه عند البخاري عن قتيبة عنه، وقد أخرجه مسلم عن إسحاق بن راهويه وعثمان بن أبي شيبة كلاهما عن جرير فقال ‏"‏ عن عبد الله ‏"‏ حسب، وكذا قال أبو يعلي عن أبي خيثمة، وكذا أخرجه الإسماعيلي من رواية جعفر بن العباس وأبو عوانة من رواية إسحاق بن إسماعيل كلهم عن جرير به، وكل من ذكر البخاري أنه تابعه إنما جاء من روايته أيضا عن عبد الله غير منسوب، كذا أخرجه أبو عوانة من رواية شيبان عن الأعمش فقال عبد الله ولم ينسبه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏المرء مع من أحب‏)‏ قد جمع أبو نعيم طرق هذا الحديث في جزء سماه ‏"‏ كتاب المحبين مع المحبوبين ‏"‏ وبلغ الصحابة فيه نحو العشرين‏.‏

وفي رواية أكثرهم بهذا اللفظ، وفي بعضها بلفظ أنس الآتي عقب هذا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تابعه أبو معاوية ومحمد بن عبيد‏)‏ يعني عن الأعمش، وهذه المتابعة وصلها مسلم عن محمد بن عبد الله بن نمير عنهما وقال في روايته ‏"‏ عن أبي موسى ‏"‏ وهكذا أخرجه أبو عوانة من طريق محمد ابن كناسة عن الأعمش، ووجدت للأعمش فيه إسنادا آخر أخرجه الحسن بن رشيق في ‏"‏ شيوخ مكة ‏"‏ له عن جعفر بن محمد السوسي عن سهل بن عثمان عن حفص بن غياث عن الأعمش عن الشعبي عن عروة بن مضرس به وقال‏:‏ غريب تفرد به سهل، قلت‏:‏ ورجاله ثقات، إلا أني لا أعرف جعفر بن محمد، ولعله دخل عليه متن حديث في إسناد حديث‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا أَبِي عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَتَى السَّاعَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ مَا أَعْدَدْتَ لَهَا قَالَ مَا أَعْدَدْتُ لَهَا مِنْ كَثِيرِ صَلَاةٍ وَلَا صَوْمٍ وَلَا صَدَقَةٍ وَلَكِنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ قَالَ أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبدان‏)‏ هو عبد الله بن عثمان بن أبي جبلة بن أبي رواد، ويقال إن أباه تفرد برواية هذا الحديث عن شعبة، وضاق مخرجه على الإسماعيلي وأبي نعيم فأخرجه من طريق البخاري عنه وأخرجه مسلم عن واحد عن عبدان، ووقع لي في رواية أخرى عن شعبة أخرجه أبو نعيم في المحبين من طريق السميدع بن واهب عنه وقد رواه منصور عن سالم بن أبي الجعد كما سيأتي في كتاب الأحكام، وأخرجه أبو عوانة من رواية الأعمش عن سالم واستغربه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن رجلا‏)‏ تقدم القول في تسميته في الباب الذي قبله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏متى الساعة‏)‏ هكذا في أكثر الروايات عن أنس، ووقع في رواية جرير عن منصور في أوله ‏"‏ بينما أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم خارجين من المسجد فلقينا رجل عند سدة المسجد فقال‏:‏ يا رسول الله متى الساعة ‏"‏‏؟‏ وفي رواية أبي المليح الرقي عن الزهري عن أنس ‏"‏ خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فتعرض له أعرابي ‏"‏ أخرجه أبو نعيم، وله من طريق شريك عن أبي نمر عن أنس ‏"‏ دخل رجل والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب ‏"‏ ومن رواية أبي ضمرة عن حميد عن أنس ‏"‏ جاء رجل فقال‏:‏ متى الساعة‏؟‏ فقام النبي صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة ثم صلى، ثم قال‏:‏ أين السائل عن الساعة ‏"‏‏؟‏ ويجمع بينهما بأن سأله والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فلم يجبه حينئذ، فلما انصرف من الصلاة وخرج من المسجد رآه فتذكر سؤاله، أو عاوده الأعرابي في السؤال فأجابه حينئذ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما أعددت لها‏)‏ ‏؟‏ قال الكرماني‏:‏ سلك مع السائل أسلوب الحكيم، وهو تلقي السائل بغير ما يطلب مما يهمه أو هو أهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أنت مع من أحببت‏)‏ زاد سلام بن أبي الصهباء عن ثابت عن أنس ‏"‏ إنك مع من أحببت، ولك ما احتسبت ‏"‏ أخرجه أبو نعيم، وله مثله من طريق قرة بن خالد عن الحسن عن أنس‏.‏

وأخرج أيضا من طريق أشعث عن الحسن عن أنس ‏"‏ المرء مع من أحب، وله ما اكتسب ‏"‏ ومن طريق مسروق عن عبد الله ‏"‏ أنت مع من أحببت، وعليك ما اكتسبت، وعلى الله ما احتسبت‏"‏‏.‏

*3*باب قَوْلِ الرَّجُلِ لِلرَّجُلِ اخْسَأْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قول الرجل للرجل اخسأ‏)‏ سيأتي بيانه في آخر الباب، قال ابن بطال‏:‏ اخسأ زجر للكلب وإبعاد له، هذا أصل هذه الكلمة، واستعملتها العرب في كل من قال أو فعل ما لا ينبغي له مما يسخط الله‏.‏

ذكر فيه حديث ابن عباس قال ‏"‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن صياد‏:‏ قد خبأت لك خبيئا، قال‏:‏ فما هو‏؟‏ قال‏:‏ الدخ‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا سَلْمُ بْنُ زَرِيرٍ سَمِعْتُ أَبَا رَجَاءٍ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِابْنِ صَائِدٍ قَدْ خَبَأْتُ لَكَ خَبِيئاً فَمَا هُوَ قَالَ الدُّخُّ قَالَ اخْسَأْ

الشرح‏:‏

حديث ابن عباس قال ‏"‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن صياد‏:‏ قد خبأت لك خبيئا، قال‏:‏ فما هو‏؟‏ قال‏:‏ الدخ‏.‏

قال‏:‏ اخسأ ‏"‏ وأخرجه من رواية عبد الله بن عمر قال ‏"‏ انطلق عمر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رهط من أصحابه قبل ابن صياد ‏"‏ فذكر الحديث مطولا وفيه ‏"‏ اخسأ فلن تعدو قدرك ‏"‏ وقد سبق مطولا في أواخر كتاب الجنائز‏.‏

وقوله في هذه الرواية ‏"‏ فرضه النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ قال الخطابي‏:‏ وقع هنا بالضاد المعجمة وهو غلط والصواب بالصاد أي المهملة أي قبض عليه بثوبه يضم بعضه إلى بعض‏.‏

وقال ابن بطال‏:‏ من رواه بالمعجمة فمعناه دفعه حتى وقع فتكسر، يقال رض الشيء فهو رضيض ومرضوض إذا انكسر‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ انْطَلَقَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَهْطٍ مِنْ أَصْحَابِهِ قِبَلَ ابْنِ صَيَّادٍ حَتَّى وَجَدَهُ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ فِي أُطُمِ بَنِي مَغَالَةَ وَقَدْ قَارَبَ ابْنُ صَيَّادٍ يَوْمَئِذٍ الْحُلُمَ فَلَمْ يَشْعُرْ حَتَّى ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ظَهْرَهُ بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ فَنَظَرَ إِلَيْهِ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ الْأُمِّيِّينَ ثُمَّ قَالَ ابْنُ صَيَّادٍ أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ فَرَضَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ آمَنْتُ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ثُمَّ قَالَ لِابْنِ صَيَّادٍ مَاذَا تَرَى قَالَ يَأْتِينِي صَادِقٌ وَكَاذِبٌ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُلِّطَ عَلَيْكَ الْأَمْرُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي خَبَأْتُ لَكَ خَبِيئاً قَالَ هُوَ الدُّخُّ قَالَ اخْسَأْ فَلَنْ تَعْدُوَ قَدْرَكَ قَالَ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَأْذَنُ لِي فِيهِ أَضْرِبْ عُنُقَهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ يَكُنْ هُوَ لَا تُسَلَّطُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ فَلَا خَيْرَ لَكَ فِي قَتْلِهِ قَالَ سَالِمٌ فَسَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ انْطَلَقَ بَعْدَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ الْأَنْصَارِيُّ يَؤُمَّانِ النَّخْلَ الَّتِي فِيهَا ابْنُ صَيَّادٍ حَتَّى إِذَا دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَفِقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَّقِي بِجُذُوعِ النَّخْلِ وَهُوَ يَخْتِلُ أَنْ يَسْمَعَ مِنْ ابْنِ صَيَّادٍ شَيْئاً قَبْلَ أَنْ يَرَاهُ وَابْنُ صَيَّادٍ مُضْطَجِعٌ عَلَى فِرَاشِهِ فِي قَطِيفَةٍ لَهُ فِيهَا رَمْرَمَةٌ أَوْ زَمْزَمَةٌ فَرَأَتْ أُمُّ ابْنِ صَيَّادٍ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَتَّقِي بِجُذُوعِ النَّخْلِ فَقَالَتْ لِابْنِ صَيَّادٍ أَيْ صَافِ وَهُوَ اسْمُهُ هَذَا مُحَمَّدٌ فَتَنَاهَى ابْنُ صَيَّادٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ تَرَكَتْهُ بَيَّنَ قَالَ سَالِمٌ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّاسِ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ ذَكَرَ الدَّجَّالَ فَقَالَ إِنِّي أُنْذِرُكُمُوهُ وَمَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَقَدْ أَنْذَرَهُ قَوْمَهُ لَقَدْ أَنْذَرَهُ نُوحٌ قَوْمَهُ وَلَكِنِّي سَأَقُولُ لَكُمْ فِيهِ قَوْلاً لَمْ يَقُلْهُ نَبِيٌّ لِقَوْمِهِ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ أَعْوَرُ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ خَسَأْتُ الْكَلْبَ بَعَّدْتُهُ خَاسِئِينَ مُبْعَدِينَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال أبو عبد الله‏:‏ خسأت الكلب بعدته، خاسئين مبعدين‏)‏ ثبت هذا في رواية المستملي وحده، وهو قول أبي عبيدة قال في قوله تعالى‏:‏ ‏(‏كونوا قردة خاسئين‏)‏ أي قاصين مبعدين، يقال‏:‏ خسأته عني، وخسأ هو، يعني يتعدى ولا يتعدى‏.‏

وقال في قوله تعالى‏:‏ ‏(‏ينقلب إليك البصر خاسئا‏)‏ أي مبعدا وقال الراغب‏:‏ خسأ البصر انقبض عن مهانة، وخسأت الكلب فخسأ أي زجرته مستهينا به فانزجر‏.‏

ومال ابن التين في قوله في حديث الباب ‏"‏ اخسأ ‏"‏‏:‏ معناه اسكت صاغرا مطرودا‏.‏

وثبتت الهمزة في آخر اخسأ في رواية وحذفت في أخرى بلفظ ‏"‏ اخس ‏"‏ وهو تخفيف‏.‏

*3*باب قَوْلِ الرَّجُلِ مَرْحَباً

وَقَالَتْ عَائِشَةُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِفَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلَام مَرْحَباً بِابْنَتِي وَقَالَتْ أُمُّ هَانِئٍ جِئْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَرْحَباً بِأُمِّ هَانِئٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قول الرجل مرحبا‏)‏ كذا للأكثر‏.‏

وفي رواية المستملي ‏"‏ باب قول النبي صلى الله عليه وسلم مرحبا ‏"‏ قال الأصمعي‏:‏ معنى قوله ‏"‏ مرحبا ‏"‏ لقيت رحبا وسعة‏.‏

وقال الفراء‏:‏ نصب على المصدر، وفيه معنى الدعاء بالرحب والسعة، وقيل هو مفعول به أي لقيت سعة لا ضيقا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقالت عائشة قال النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة‏:‏ مرحبا بابنتي‏)‏ هذا طرف من حديث تقدم موصولا في علامات النبوة من رواية مسروق عن عائشة قالت‏:‏ ‏"‏ أقبلت فاطمة تمشي ‏"‏ الحديث، وفيه القدر المعلق، وقد تقدم شرحه هناك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقالت أم هانئ جئت النبي صلى الله عليه وسلم فقال مرحبا بأم هانئ‏)‏ هذا طرف من حديث تقدم موصولا في مواضع‏:‏ منها في أوائل الصلاة من رواية أبي مرة مولى عقيل عن أم هانئ وفيه اغتسال النبي صلى الله عليه وسلم وغير ذلك‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مَيْسَرَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا أَبُو التَّيَّاحِ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ لَمَّا قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَرْحَباً بِالْوَفْدِ الَّذِينَ جَاءُوا غَيْرَ خَزَايَا وَلَا نَدَامَى فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا حَيٌّ مِنْ رَبِيعَةَ وَبَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مُضَرُ وَإِنَّا لَا نَصِلُ إِلَيْكَ إِلَّا فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ فَمُرْنَا بِأَمْرٍ فَصْلٍ نَدْخُلُ بِهِ الْجَنَّةَ وَنَدْعُو بِهِ مَنْ وَرَاءَنَا فَقَالَ أَرْبَعٌ وَأَرْبَعٌ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَصُومُوا رَمَضَانَ وَأَعْطُوا خُمُسَ مَا غَنِمْتُمْ وَلَا تَشْرَبُوا فِي الدُّبَّاءِ وَالْحَنْتَمِ وَالنَّقِيرِ وَالْمُزَفَّتِ

الشرح‏:‏

حديث ابن عباس في وفد عبد قيس وفيه قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏مرحبا بالوفد ‏"‏ وقد تقدم شرحه في كتاب الإيمان وفي كتاب الأشربة مستوفي، وأخرجه هنا من طريق أبي التياح بالمثناة الفوقانية المفتوحة وتشديد التحتانية وآخره مهملة واسمه يزيد بن حميد عن أبي جمرة بالجيم والراء، ووقع في سياق متنه ألفاظ ليست في رواية غيره، منها قوله‏:‏ ‏"‏ مرحبا بالوفد الذين جاؤوا ‏"‏ ومنها قوله‏:‏ ‏"‏ أربع وأربع، وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأعطوا خمس ما غنمتم ولا تشربوا ‏"‏ الحديث‏.‏

والمعنى آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع كما في رواية غيره‏.‏

ومنها جعله إعطاء الخمس من جملة الأربع، وفي سائر الروايات هي زائدة على الأربع‏.‏

وقد أخرج ابن أبي عاصم في هذا الباب حديث بريدة ‏"‏ أن عليا لما خطب فاطمة قال له النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ مرحبا وأهلا ‏"‏ وهو عند النسائي وصححه الحاكم‏.‏

وأخرج فيه أيضا من حديث علي ‏"‏ استأذن عمار بن ياسر على النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ مرحبا بالطيب المطيب ‏"‏ وهو عند الترمذي وابن ماجة والمصنف في ‏"‏ الأدب المفرد ‏"‏ وصححه ابن حبان والحاكم‏.‏

وأخرج ابن أبي عاصم وابن السني فيه أحاديث أخرى غير هذه‏.‏